الثلاثاء، 6 مايو 2014

ماقاله السيد للسيده - محمد آدم


 

ما قاله السيد للسيدة
فصل [ 1 ]
...
،
اندهش السيد من كلام السيدة
ورنا إليها ببصرٍ منجردٍ
وهو واقف على حافة الليل يرقب تحولات النهار
أليست القيامة أقرب إلىَّ
من امرأة
أعرف تفاصيل جسدها
وحنطة بطنها
وعجين سرتها
وهى ممسكة بزمام وقتى
وأنا واقف على شجر التحولات
وأقاليم الرؤيا؟
عندئذٍ...
انتبهت السيدة إلى كلام السيد
وأخذت تقرأ بصوتٍ
رحبٍ...
فصل [ 2 ]
ما بين سرتى وجسمى روضة واسعة
لا يعرف مداها أحد إلا بى
فخل عنك وتخل عنى
فهل تعرف أيها السيد لماذا أتخفى عنك بالليل والنهار
ولا أنكشف إلا لى؟
قمصانى هى الماء
ولغتى هى الأرض
وما بين كل قميص وقميص مسيرة ألف عام من الموت والحياة
فكيف تصل إلىّ أيها السيد وهى بعيدة
لا يبلغها السائرون إلا نياماً
بعد ميتاتٍ كثيرةٍ
وحيواتٍ غالبةٍ.
فصل [ 3 ]
ما بين لغتى والأرض
أكبر مما بين السماوات والأرض من تفاوت
وكلامٍ هو كلام البرازخ
ولكنك لا تعرف أى كلامٍ هو لك وأى كلام هو لىْ
فلا يفك رموزه إلا أصحاب الضحى والليل
ولا يقترب من شفرته
إلا أولو العزم من الأخلاء والأصفياء ومن أذنت لهم
من أصحاب الحاجات من العشق
وطلاب الموت الحميم.
فصل [ 4 ]
هذه سبيلى:
سهر بالليل ووجع بالنهار
إلى أن تقوم الأرض من قيامتها وما أنت بقادرٍ على أن تؤدى لىْ
ثمانى حجج فإن أتممت عشراً فمن عندك
وها أنت ذا باخعٌ نفسك على أن ترانى
فهل لك فى حاجة أخرى
ورغبة دفينة أؤديها لك
فلن ترانى قبل هذا ومن بعدُ إلى أن تموت
ويخيم على الأرض الظلام
وتنشق الشمس والقمر
وما أنت بصاحب لي.
فصل [ 5 ]
فعلى أى شىء تترقب وصولىَ من سفرٍ هو النصبُ
وهذى هى العير قد أقبلت
وما لك فيها من صاحبٍ أو غلامٍ
فننظر إليه أو نسأله؟
ارجع إلى أهل بيتك كى يكفلوك فلا حول لك فى هذا
ولا حول لىْ
فقط
هى أحوالى
ومقاماتى أتقلب فيها كيف أشاء
ولك فيها من العذاب بقدر ما لى فيها من النعمة
فبها وعليها أترفى درجى
وأصعد منعطفاتى وبروجى
إلى أن تبلغ منى الروح الحلقوم
وأمضى إلى بلدٍ
قفرٍ
فأنصب خيامى
وأعلن على الملأ نبأ استشهادى
وأقيم صلواتى وأقدم أدعيتى وأذبح قرابينى
إلى أن تشقق الأرض ويتفجر منها الماء
وأجمع الشمس والقمر حولىْ.
فصل [ 6 ]
لكلامى شبهة المحبة
ولجسمى غواية الشياطين
وها أنت ذاهب نفسك حسرات ما بين شبهة المحبة وغواية
الشياطين
ولا تفتش فى الأرض إلا عن قيامةٍ أخيرةٍ لى.
فصل [ 7 ]
هأنذا أنظر إليك فهل تتعقبنى أيها السيد:
اخرج من تابوت الجسد
وأزح غطاء جسمك عنك ولا تكن كصاحب الحوت
وتوقف أمام كل امرأة فىَّ
فإن استقر الجسد مكانه
وثبت الحال على الحال
وانعقدت أطراف الموت الحمراء بين تراقيك وترائبك فاخلع
نعليك إذنْ
واخرج من تعبك ونصبك
إنا رادوك إلى أهلك فى أدنى الأرض
كي تقر بهم عينا
ويقروا بك عينا
ولتبدأ من جديدٍ موتاً متكرراً جديداً وسهراً تعباً
وأنت بأعيننا فلا تخضع ولا تبتئس
وقف...
قف
إلى أن أخرج عليك بطوفان أسمائى وشاراتى
وأتعقبك فى كل واد تقيم فيه
وعند كل جماعة تحل بها ضيف سفر وعابر سبيل
إلى أن أتم نعمتى عليك وأهب لك لحظة واحدة لا تدخل في
عدد السنين والحساب
وهى هى ليست من الزمن فى شىء
فلا هو موصول بها
ولا هى موصولة به...!!
فصل [ 8 ]
أليست هذه رغبتك أيها السيد إذن؟؟
هكذا ذهب السيد إلى حال سبيله
ومضى...
لا يعرف فى أى بلد هو
وأخذ يقطع الليل فى النهار ويقطع النهار فى الليل
وقال فى نفسه:
سأنتظر سفينة أخرى
لتحملنى إلى امرأة بعينها
فلمَ كانت المرأة إذن علامة على السهر والحمى؟؟
وكلما مر على أهل قرية وأراد أن يضيفوه أبوا وراحوا يرجمونه
بالحجارة
ويطردونه من بلدٍ إلى بلدٍ
ويطلقون خلفه الكلاب الضالة وقطط الظلام الهرمة النهمة
فتنهش عظامه ولحمه
وهو يهشها فلا تُهش وهى تتهارش من حوله وتزوم ويطردها
فتطارده
إلى أن دمى الجسد وابتلت العروق بالوجع
والظمأ.
فصل [ 9 ]
ورأى:
أن ممياواته تسير من خلفه على حجارة الأرض
جثثاً جثثاً وهى تصايح
فكيف يهرب من الوجع بالحمى ومن الحمى بالوجع
والبحر ليس ببعيد عن هنا وهو نائم ويقظان
ورأى:
رجالاً كثيراً يبكون ونساء يطوقنه بمناديل الفرحِ
والوداعِ
أيها السيد: أين دار السيدة؟
أيتها السيدة: أين هى دار السيد فننزل إليها ونحتمى بها؟
انكشف ستر الجسد إذن
ولاذ كل من السيد والسيدة بالفرار إلى أرائك النوم الحمراء
ومملكة الحلم الرحيم
وبقيا حتى ساعةٍ
متأخرةٍ
يتقلب كل منهما على فراشه
فوق شراشف المحبةِ
وعناقيد الرغبة المحتدمةِ.
فصل [ 10 ]
وانطلق حديث دافيء يعلن عن بدء وصول السيدة إلي
حافة النوم
فخلع السيد أعضاءه عضواً عضواً وانخرط فى بكاء مر
وانخرطت السيدة فى لهوٍ ولعبٍ وزينةٍ
إلى أن انتبه السيد إلى الوقت
فتشاغلت - عنه السيدة - بالحلمِ
وهى تشير إلى جثث الذاكرة أن تدخل طقس الرؤيا
وإلى الجسد أن يتخفى فى سراويل النعاس الفضفاضةِ
هكذا امتلأت السماء بالسحب وأراقته ماءً على الأرض
بقدرٍ
وغلقت السيدة الأبواب وقالت:
هل تريد أن ترانى أيها السيدُ؟
فصل [ 11 ]
أنا أقرب إليك منك
وأنت أقرب إلىَّ منى فما هو قولك
وعلام تقلِّب علينا أهل بيت لنا وكل من يقابلك من صحبى
ونداماى
وها هم أهل بيتك يضحكون ولا يبكون
وهمو ينظرون ما أفىء عليهم من محبةٍ
وما أجزل من عطايا ومواقيت
آن للجسد أن يلتحف بعرائس النعاسِ الفضفاضةِ
وللنعاس
أن يلتحف بعرائش الجسد
فيسلطنه...!!
فصل [ 12 ]
لمرمر جسمك أبدأ تذكرتى بالسفر
للمسافة مطوية فى قميصىَ
أنِحلُّ بارجة من بخارٍ قديم
فأبحر صوب الشواطىء
والذاكرة
إنها لغة الحلم تشرق بى
من أول الصبح حتى حدود الضحى
وتقيم الكلام على حجر ناتىء وتصاويرَ من زبد فارغٍ
لتقيس المسافة بينى وبين ممالك جسمكِ
بينى وبين ممالك جسمك أرض بعيدة وهذا دمى...
يتربصُ
أو...
أصطفيه من النار والماء
أجعله قبضة فى يمينك
والأرض خاتم عرسٍ أسويه بين يديك
وأنسجه من رماد السماوات والأرض شعلة ضوءٍ
مبللةٍ
بالترائبِ
والرغباتِ.
فصل [ 13 ]
افتحى جسد الحلم
وامنحى الذاكرة بهاء التخيلات والرؤى وصلابة التلاشى
وكونى إذا أخرج الليل أثقاله حلة ترتدينى
وترتد بى
كى أجوس خلال الديار
سأمنح صوتى بهاء الكمالات من جسد مورقٍ وأراضين
تغسل وجه النهار بأول حرف من اسمى
وآخر حرف من اسمك
اسمك: سيدة الأرض
واسمك:
جوهرة السموات.
فصل [ 14 ]
على بابك الملكى افترشت دمى ثم أوَّلت ما يكتب الرمز
وما لا تقدر عليه لغة الإشارةِ
من معنى هو الحقيقة
وحقيقةٍ كأنها الحلم ولا شأن لىْ
خذى من جسدى وكلماتى ما يتعب فى تأويله علماء الكلام
وأساطين الحرف
وهمو غير قادرين عليه
وأسأليهم... سيداً
سيداً
ورهطاً
رهطاً
عن هذا الذي يقول ما يقول وبأى لغة يكتب ما يعرف وما لا
يعرف
ولماذا يتقول علينا بما يعرف وما لا يعرف وما لا طاقة لنابه ولا
قدرة لديه على احتمالهِ
ووصفهِ؟!
فصل [ 15 ]
لن يجيبوك بشىء مما يعرفون ومما لا يعرفون وسيقولون:
ابعدوا هذه المرأة عنا
نحن نتصبب من تعبٍ وعرقٍ وهى تضَّاحك علينا
فبيننا وبينها ثارات قديمةٌ
ورحى حرب لا نخرج منها إلا منكسرين
ومتسربلين ببقايا الدم
وخرائب الجنازات
وهنالك قتلى وأسرى لا نحصى عددهم ولا هم يرغبون
بيننا وبينها أرض شاسعة لا نقدر على عبور مهامها
لا بالليل ولا بالنهار
ولا هى نائمة
ويقظانة
فخلع السيد أعضاءه عضواً.. عضواً وانخرط فى بكاءٍ مرٍ
وانخرطت السيدة فى لهوٍ ولعبٍ
وزينةٍ
إلى أن انتبه السيد إلى الوقت
فتشاغلت عنه السيدة بمراقبة عشاقها
ولغةِ حوارييها.
فصل [ 16 ]
أوليت نفسى غواية تأويل حرفين ك.... ن...
كنت ناراً على قبة الوقت
آويت جسمى لجسمى ادرعت بشمس الضحى
عيونك منقوشة كالفراش على جبلٍ شاهقٍ
كيف أصعد نحوك أيتها المرأة الشاهقة
كيف أخلع قفاز جسمى
وأعلن للماء أنى استويت على الأرض أغرس فيها جحيمى
وأبحث عن جنتى
...
ليس لى غير قيظ اسمها...
وخطاى خطى تتعثرُ فى شجر العرش
والملكوت
وكيف أدثر نفسى بوقت هو الوصل
لا تبعدى عن خطاى إذن
نحن اقتربنا من الأرض
ها هى ذى تتلفع بالموت والرغبات الأثيمة
هيا انثرينى على جنةٍ عرضها السماوات والأرض
كى أتبوأ فيها مكانى
وأشعل بعض خطاى
من أنتَ؟
ومن أنتِ...؟؟
فصل [ 17 ]
بيننا: تسكن البلادُ وتزدهر صناعة الكيمياءِ القديمةِ وغناء
الفلاسفةِ
ولا نعرف غير اللهو
واللعب وتفاخر المودات والنسب الكريمْ
ولا يكون لنا غير أصدقاء حميمين نتفرس فى وجوههم
فنعرفهم بسيماهم
ونتقرب إليهم بالليل والنهار
فيتقربون إلينا بالمحبة والكلام الحسن
وليس لهم من حديث سوى حديث الغناء والطرب
فنشرب إلى أن تبتل العروق ويذهب الظمأ
وننتقل من واد غير ذى زرع إلى واد غير ذى زرع
ليله كنهاره
ومن أهل بيت إلي أهل بيت
فلا ندرك تكور الليل علي النهار وتكور النهار على الليل
وإنما هى حركة موصولة وحياة دائمة لا تكاد تبدأ حتى تنتهى ولا تنتهى حتى تبدأُ
وما بين الموت والحياة تحولات أخرى وأزمنة ضوئية لاتدركها
الأبصار ونحن بها فرحون
هكذا تكون المحبةُ أيها السيد
وهكذا يكون رباط الوصلِ أيتها السيدة.
فصل [ 18 ]
بيننا: تتوافد الذكرياتُ على شجر الليل فى وضح النهار
وعلى مرأى ومسمعٍ من الليل والنهار يدور حديث دافىء بيننا
فلا ينقطع إلا بغفوةٍ
ولا يبدأ إلا بميعادٍ
هو الحلمُ...!!
فصل [ 19 ]
بيننا الحركة والسكونُ
وما بين الحركة والسكون علامات..
لأنجمٍ كثيرةٍ
ضالةٍ
فى المجرات تفتش عنا
فلا هى تهتدى إلينا
ولا نحن نقول لها:
اهبطى بسلام.
فصل [ 20 ]
بيننا: من أول الخلقِ إلى آخر الخلقِ رباط من الذرّ والكلمات
المكنونة المنكشفة
ما لو أطلعت عليه
وخطر على قلب بشر
لولّى مدبراً وقال لى:
هذا فراق بينى وبينك إلى أى أجلٍ تراه وأى زمن أراه حتى تقوم
الساعة
فأجلس منها مجلس أنسٍ وطربٍ وغناءٍ ورقصٍ ولن أبرح مقامى
هذا
إلى أن تأذن لى
أو أمضى حِقباً إلى حيث تشاء السيدةُ
ويأخذ الزمن أبعاده ومسمياته
فأحمل فراغى على ظهرى
وألقى بمتاعى فى اليم
فلا أمكث فى زمان
ولا أفتش لى عن مكانٍ!!
فصل [ 21 ]
بيننا: من سورة يوسف وأهل سبأ والأعراف
ما لا يقدر على تأويله الفلاسفة وعلماء الكلام
ولا يقترب منه الصوفيون
وأصحاب الكشف والمقامات
إلا بمقدارٍ
لها أحوال النعمة
وله مدارج العذاب يتقلب فيها كيف يشاءُ
فبأى متاهةٍ هو
وفى أى غيابةٍ هى؟؟
فصل [ 22 ]
بيننا: يتخلى الليل عن عاداته وحاجياتهِ
ويواصل السفر والسهر إلى أن يحل فى جانبٍ
آمنٍ..
من جوانب السموات والأرض
ولا يبحث عن قيامةٍ أخيرةٍ
ويقول: بخ.. بخ..
لا رغبة لدىّ فى لعبةٍ جديدةٍ اسمها الموتُ والحياةُ
أنا ثمل وسكران هكذا
يا هذا..
فمن ذا الذى يقودنى إلى المنزلِ؟!
أنت هكذا
وأنا هكذا؟!
فصل [ 23 ]
بيننا: من زليخةَ
وشجرة الدر وبلقيسَ
وامرأة لوط...
ما يخرج بنا عن حدودِ الكلام إلى متاهة الرؤيا
خلع السيد أعضاءه عضواً.. عضواً وتقلب على فراشه
فوق شراشف المحبة
وعناقيد الرغبة المحتدمة وانخرط فى بكاءٍ مرٍ
وانخرطت السيدة فى لهوٍ ولعبٍ
وزينةٍ
إلى أن انتبه السيد إلى الوقت
عندئذٍ...
اندهشت السيدةُ من كلام السيد
ومضت.